شهداء 25 يناير.. ماتوا فى أحداث يناير.. ماتوا وفارقوا الحياة!! أغنية تحصل فى مجال فن الكتابة والتلحين والغناء على صفر مكعب!!، من الممكن أن تصفها ودون أدنى خجل أو كسوف أو خوف من اتهامك بانعدام المشاعر أو أنك من فلول النظام السابق وأزلام العهد البائد، بأنها أغنية سخيفة مسلوقة وهابطة وساذجة فنياً، من الممكن أن يستنكر هذه الأوصاف قطاع كبير من المستمعين ويتساءلون كيف تصف أغنية بهذه الأوصاف القاسية وهى تتكلم عن شهداء الثورة؟، وأرد بأن مثل هذه الأغانى المسلوقة الساذجة هى أكبر إهانة لشهداء الثورة، ولا يغنى نبل المقصد ولا تبرر عظمة القضية التى يتناولها الفن أن تخون الأغنية أو الفيلم أو المسرحية أو اللوحة شروط الإبداع الفنى، فعظمة وجودة العمل الفنى تأتى من نسيج الفن نفسه وليس من أهمية ما يتناوله الفن.

للأسف معظم أغانى الثورة التى ولدت بعد 25 يناير هى من نفس العينة، وللأسف الشديد أيضاً أن الأغنية الوحيدة التى كانت نشيد الثورة وأيقونتها كانت «إزاى» للفنان محمد منير، التى كانت مكتوبة قبل الثورة، ولكن لأنها عصير فنى وإبداعى مميز أصبح نبضها هو نبض الثورة، هذا هو سحر الفن، الفن ليس معادلة كيميائية محفوظة، أو صيغة حسابية مقررة، ولكنه خلطة سحرية تمنح اللوحة الصماء أو الآلة الموسيقية الخرساء مذاق الجمال وتنفخ فيها روح الحياة، لكن أن تختبئ وراء ستار الشهداء والثورة لتكتب كلاماً ركيكاً مرصوصاً بطريقة ميكانيكية من عينة شهداء يناير اللى ماتوا فى يناير وبعد ما ماتوا فارقوا الحياة!!، فهذا هو الزيف بعينه، فلو أعطيت الكمبيوتر أمراً بكتابة أغنية سيكتبها بنفس الروح الباردة وبنفس المذاق الخالى من الطعم.

لماذا فى ظل ثورة حكى وتحاكى بها العالم لا يخرج فن على نفس المستوى من العظمة والإبداع؟ هذا السؤال يتكرر دائماً بعد الأحداث الكبيرة، فقد طُرح نفس السؤال عن رداءة الأفلام التى تناولت حرب أكتوبر، وكلنا يتذكر فيلم «بدور» الذى كان فيلماً فاشلاً بجميع المقاييس السينمائية المتعارف عليها، من الممكن أن يكون السبب فى عظمة الحدث نفسه الذى يحتاج إلى وقت وزمن للهضم والاستيعاب، لكن هذا ليس قانوناً، خاصة فى مجال الأغنية، فأغنيات على الربابة وبسم الله وغيرها من ألحان بليغ حمدى وعلى إسماعيل أثناء حرب أكتوبر، التى تم تلحينها داخل الاستوديوهات وفى أتون المعركة نفسها، كانت أغانى رائعة تهز الوجدان حقاً، لأنها كانت تحتفظ بمعنى الفن الحقيقى والأهم أنها كانت صادقة.

أغانى الهزيمة من الممكن أن تكون أقوى فنياً من أغانى الثورة والنصر! الفيصل والحكم هو الفن، هو مقدار صدق الإبداع وتوهجه، عدى النهار للأبنودى وحليم وبليغ أجمل وأروع من كل أغنيات ثورة يناير، بالرغم من أن الأولى خرجت من رحم الهزيمة والانكسار والعار، والثانية ولدت من رحم الثورة، لكننا نستطيع أن نقول إنها ولادة مبتسرة من رحم الاستوديوهات المكيفة لا من رحم الشارع والميدان.